إلى زمن قريب كانت الأسر القروية بمنأى عن ظاهرة التفكك الأسري، فالخلافات ما بين الأزواج عادة ما كان يتم احتوائها بتدخل من كبراء العائلة أو العشيرة، على اعتبار أن البيئة الحاضنة لهذه الأسر تنتمي إلى نفس النسق المجتمعي المبني على أواصر القرابة أو المصاهرة أو الجوار، فكانت مهمة إصلاح ذات البين ميسرة ومقدور عليها، وهذا ما جعل نسب الطلاق منخفضة في وسط السمة الغالبة عليه هي المحافظة والتمسك بالعادات والتقاليد، خصوصا أن أغلب الزيجات يرتب لها وتتم بالاتفاق والتوافق المسبق ما بين الأسرتين وليس ما بين الزوجين.
ولكن اليوم تغيرت كثير من الأحوال في القرية، لقد استهوت أهلها المدنية الزاحفة فاستقبلوها بكل حفاوة. لم يعد ليلها موحشا بعد أن أنارته الكهرباء، وغدا الهاتف النقال في يد كل صغير وكبير، وزحف الإسمنت وأقصي الطين، وصارت الدور تضم أسرا نووية بدل الأسرة الممتدة، فأغلق الزوجان عليهما باب منزلهما فبدأت خلافاتهما تتعمق يوما بعد يوم، وتجاوز حلها أفراد العائلة، فمن الصعب اليوم أن تجد من يريد الإذعان لأراء الكبار بعدما أصبح الكثير يدعي معرفته بحقوقه وكيفية استخلاصها من الطرف الآخر.
قي لقاء تشاوري جمعنا بمعية رئيس المجلس العلمي المحلي بإقليم النواصر وبعض من أفراد طاقمه المساعد حول سبل التنسيق والتعاون ما بينه وبين هيئات مدنية مختلفة بالإقليم، طلب منا بصفتنا جمعية نسائية تعنى بالشأن الحقوقي، الشراكة مع المجلس فيما يخص ملف الوساطة الأسرية والتدخل للصلح ما بين أطراف متنازعة، يشكل الأزواج نسبة كبيرة منها، هذا الأمر دفعنا لطرح التساؤلات التالية :
هل التغيرات الطارئة على نمط عيش سكان القرية هي السبب في ظهور هذه التصدعات الأسرية؟ أم أن التحولات البنيوية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لعبت دورا رئيسيا في التحكم بعقليات جيل جديد من أبناء القرية ؟
في الحقيقة كل هذه العوامل وغيرها ساهمت في تفشي الظاهرة، ولأن المجتمع عليه أن يؤسس ويمأسس ويخلق ويبدع كافة الآليات الممكنة من أجل المحافظة على التماسك الاجتماعي من خلال التماسك الأسري وفق مقاربة بأبعاد مختلفة:
- على المستوى القريب تكون ذات بعد علاجي إصلاحي؛
- على المستوى البعيد ذات بعد وقائي مناعي.
لقد غدت مؤسسة الوساطة الأسرية ضرورة ملحة اجتماعيا بعد أن أصبح الجميع مؤمنا بكون الثروة الحقيقية لأي مجتمع ما، هي الثروة البشرية ويجب تنميتها وتأهيلها بالتعليم والتدريب وصقل القدرات وتعزيز المهارات...
اليوم أكثر من أي وقت مضى أصبح التماسك الاجتماعي شرطا أساسيا لتحقيق الرخاء لجميع أبناء المجتمع الواحد، والأسرة هي المحضن الأساس لبناء الإنسان وتنشئته تنشئة سليمة في القرية أو في المدينة، علينا جميعا أن نسعى للمحافظة على تماسكها واستقرارها لأن بقاء المجتمع رهين ببقائها.
ذة.ايمان لعوينا رئيسة جمعية المستقبل للأسرة والشباب لاقليم النواصر.